القراءة..وجه آخر للحلم
وعزيب سميرة
مذ اكتشفت مذاقها لم أعد أقوى على مقاومتها، بل وأصبحت مدمنة عليها...
تسري فيك فتعطيك إحساسا رائعا، تجعلك تشعر وكأنك تطير بلا أجنحة في عالم لا وجود فيه إلا للسحر والجمال، ثم إنك قد تمر بفترات تدغدغ فيها قلبك فيقشعر لها بدنك وتقول يا الله ما أروع هذا المخدر ، كيف لم أكتشفه من قبل؟
نها المطالعة، المطالعة والقراءة التي أدمنت عليها منذ أول كتاب قرأته لا أذكره على وجه التدقيق إلا أني أرجح أن يكون الشيخ والبحر لإرنست همنجواي، واكتشفت بعدها أن هذا هو عالمي وهذه هي متعتي وأني أغدو في كل مرة أقرأ فيها كتابا ملكة تحكم مملكة الحب والصداقة...إنه شعور بالعظمة والتميز لا يكتشفه سوى عشاق المطالعة وعشاق الأبجدية العربية...فكل كتاب أقتنيه هو مولود جديد يدخل مكتبتي المتواضعة فارسا مغوارا رغم أنه يقبع هناك في الرف في انتظار أن تتلقفه يداي وتلتهمه عيناي، تصوروا معي أن المتعة الكاملة أجدها عندما يطل علي كتاب منسي على الرف ويشير إليَّ بأصابعه أن تعالي احمليني لقد أتى دوري؟؟؟
إن عالم الكتاب عالم مليء بالأسرار، حافل بالمفاجآت، يجعلك تندمج فيه فتخرج إليك شخصياته وتجلس معك لتشرب فنجان قهوة أو شاي ، وتذهب معك للسوق تتحاور معك وتتبضع معك ، ثم تأوي في المساء متعبة مثلك لتنام ، وتستيقظ لتعاتبك لأنك نسيتها، فتشعر بالذنب لأنك أيضا اشتقت إليها وإلى أخبالخارجون عن القانون..فتعود وتحمل الكتاب وتكمل قراءتك بمتعة وفرح..
وأنت في هذا المستفيد الأكبر لأن عالم الكتب عالم الصداقة الأبدية بلا خيانات...تمدك بأجوبة لطالما اعتملت في ذهنك وأعيت بالك، تمنحك تجارب رائعة ونصائح مذهلة وحلول فعالة، تؤنسك في وحدتك وتفرج عنك حزنك وتذهب عنك الغم واليأس، تجعلك دائم السفر من المدن الكبرى إلى القرى النائية إلى العواصم المدهشة، ترسم لك عالما لامتناهٍ من الروعة والحلم في الليل والصباح والمساء، تبكي مع شخصية وتضحك مع أخرى وتقبض أنفاسك مع ثالثة...فتصبح مغلقا داخل عالم مفتوح دائما على التجديد والمتعة والحركة، فلا تمل أبدا..إن أجمل شيء اكتشفته في نفسي هو حبها للقراءة باللغة العربية، فلهذه اللغة سحر خاص ومذاق خاص، فكل كاتب تسحرك كلماته هو كاتب يكتب لك وهذا ما شعرت به وأنا أقرأ لأحلام مستغانمي وغادة السمان وكولن ولسن وغابرييل غارسيا ماركيز وهم على الأرجح كتابي المفضلين، ثم حين أنتهي من الكتاب أجد لغتي البسيطة قد صارت أثرى وأغنى وأن أسلوبي صار أسلس وأروع من قبل حتى أنه يحمل بعض مخلفات الكتاب الذي فرغت منه فأجدني أتحدث بمثل عبارات أحلام مستغانمي الشاعرية أو أطيل الوصف مثل غابرييل غارسيا ماركيز أو أدقق في التفاصيل مثل كولن ولسن...
والحقيقة أن المتعة التي نستمدها من المطالعة لا تضاهيها أي متعة لأن كل كتاب هو دائما تجربة جديدة ورؤية جديدة وقدرة وموهبة جديدة. وقد صدق من قال: "وخير جليس في الأنام كتابُ"