ـ و الإطناب هو زيادة اللفظ على المعنى لغرض ما كالتأكيد و لفت النظر و محاولة التأثير و الإقناع ، و التحسر ، أو الإيضاح أو التهديد و غيرها و يتحقق الإطناب بطرق مختلفة كالتكرار و الترادف و الجمع بين الإجمال و التفصيل أو العام و الخاص أو عن طريق الجمل الاعتراضية.
ـ أما التكرار فشائع في النصوص الأدبية و له أغراض مختلفة معنوية أو جمالية كما سبق بيانه.
ملاحظة : "قد تكون الزيادة في الألفاظ لغير هدف أو فائدة فهي حشو و ليس له قيمة أدبية، و المساواة هي التناسب التام بين الألفاظ و المعاني فهي وسط بين الإيجاز و الإطناب.
*
دور حروف المعاني : و المقصود بها حروف الجر و العطف و الشرط و الاستفهام و العرض و التحضيض و الاستثناء و الجواب و غيرها فالأديب المتمكن هو الذي يتفنن في استعمالها بحيث يجمع بين حسن تأثيرها في أداء المعاني التي يريدها و بين ما تفرضه قواعد اللغة و الفصاحة فتكون هذه الحروف روابط تشد أجزاء النص الأدبي إلى بعضها و تساهم في عملية التوصيل بين الأديب و القارىء.
ـ / البلاغة : ـ المعاني ـ
* تحديد الأساليب الخبرية و الانشائية و بيان الغرض الأدبي منها فإن كانت هناك عدة أمثلة من نوع واحد اكتفينا ببعضها أما كيفية معرفة الغرض الأدبي فتعتمد على أمرين فهم المعنى، و الظروف المحيطة بالمتكلم و المخاطب.
* الكشف عن سبب اعتماد الأديب على هذا الأسلوب دون غيره و نلفت نظرك إلى بعض التوضيحات حول غالب الاستعمال : فالأسلوب الخبري يناسب تقرير الحقائق سواءاً كانت علمية أو إنسانية كعناصر الفخر و الاعتزاز و المدح و الذم و الشكوى و التحصر و كذلك في الوصف و السرد و التحليل و الاستنتاج .
و يميل الأديب إلى الأساليب الإنشائية في أحوال مختلفة : فحالة الانفعال يناسبها النداء و التعجب و الاستفهام و عند النصح و الإرشاد و الدعاء و التمني يكثر الأمر و النهي و الرجاء.
و يشترك الخبر و الإنشاء معا لصنع الحوار كما في القصة و المسرحية.
* ملاحظة التقديم و التأخير و الكشف عن سببهما البلاغي ( ليس النحوي ) مع بيان أثرهما في الكلام و هو الاهتمام بالمتقدم و لفت الأنظار إليه
* تحديد مواضع القصر و بيان نوعه أحقيقي هو أم إضافي مع الإشارة إلى ان غرض الأديب من القصر هو إظهار أهمية المقصور عليه كقول المعري " المتنبي و أبو تمام حكيمان و إنما الشاعر البحتري " فقد جعل الشاعرية " المقصور " خاصة بالبحتري وحده " المقصور عليه "
ـ البيان ـ
* تحديد موضع الصورة البيانية بدقة و تسمية نوعها و ما يتعلق بها من تفاصيل و شرح الصورة، ثم بيان قيمتها يعني أ كانت صادرة عن عاطفة حقة أو أنها مجرد تلاعب بالألفاظ كما في قول شاعر يصف امرأة جميلة تساقطت دموعها على خديها و عضت أصابعها حزناً
و أمطرت لؤلؤأً من نرجس و سقت **** و رداً و عضت على العُنّاب بالبرد
ففي البيت 5 استعارات تصريحية فقد شبه الدمع بالؤلؤ و العيون بالنرجس و الخدود بالورد و الأصابع بالعُنّاب و الأسنان بالبرد و مما لا شك فيه هذه تزويقات متصنعة تعبر عن عبث الشاعر بالشعر.
* أثرها في المعنى : إذا كانت الصورة البيانية موفقة فإن لها تأثيراً هاما في تقوية المعنى و إبرازه و في التعبير عن عاطفة الأديب و إليك أمثلة توضح ذلك :
قال شوقي
و لقد تمر على الغدير تخاله **** و النبت مرآة زهت بإطار
و هو تشبيه تمثيلي شبه الشاعر فيه غدير الماء الصافي و قد أحاط به العشب من كل جانب بمرآة صقيلة يحيط بها إطار أخضر بديع و هي صورة موفقة استطاع الشاعر من خلالها أن يبرز لنا عمق الألوان و تناسق الأبعاد لأنهما يظهران بقوة في المساحة الصغيرة.
و قول الرصافي و هو يصف الأرملة المرضعة
حتى غدا جسمها بالبرد مرتجفا **** كالغصن في الريح و اصطكّت ثناياها
و هو تشبيه ضعيف لأن اهتزاز الجسم و هو يرتعد بالبرد قد يشبه يد المشلول مثلاً، أما الغصن فهو يتلوى و يتمايل بفعل الريح فالصورة غير موفقة.
و في الاستعارة المكنية قول إيليا أبو ماضي
قد سألت البحر يوماً هل أنا يا بحر منكا ؟
أصحيح مارواه بعضهم عني و عنكا ؟
أم تُرى ما زعموا زوراً و بهتاناً و إفكا ؟
ضحكت أمواجه مني و قالت لست أدري
هنا الشاعر يشخص البحر عن طريق الاستعارة المكنية و يجعل أمواجه حية تضحك من أسئلة الشاعر.
و من الكناية قوله تعالى : " وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً " الفرقان الأية 27
فعبارة (( يوم يعض الظالم على يديه )) كناية عن صفة الندم و أثرها في المعنى عظيم حيث لم تكتف ببيان ندم الظالمين يوم القيامة و إنما نقلته من شعور نفسي داخلي و خفي إلى علامة ظاهرة لا تخفى على أحد، و هي العض على الأيدي فصورت الكناية هذا الندم يملأ قلوبهم حسرة و يزيد على ذلك و يفضحهم أمام الخلائق.
ملاحظة : " يفترض أن تكون صور الأديب جديدة لم يسبقه إليها أحد، قد تأتي الصورة البيانية ( و التشبيهية خاصة ) لمجرد تقريب الفكرة و توضيحها، دون أي أثر عاطفي و ذلك في الموضوعات ذات الطابع العلمي كقول : " فالأرض التي نعيش عليها تشبه كرة "
ـ البديع ـ
* تحديد موضع المحسن و نوعه و تفصيل ذلك فيقال مثلاً طباق إيجاب أو جناس ناقص في نوع الحروف و تشرح الألفاظ المتجانسة و يشار في السجع إلى عبارتين متجاورتين أو أكثر يظهر فيها، و في الاقتباس يحدد النص المقتبس.
* الطباق : و هو يأتي بشكلين مختلفين هناك طباق الإيجاب و هو : ما لم يختلف فيه الضِّدان إيجابا و سلبا .
و هناك طباق السلب و هو : ما اختلف فيه الضِّدان إيجابا و سلبا.
* الجناس : هو أن يتفق اللفظان و يتشابهان في النطق و يختلفان في المعنى و هو : نوعان جناس تام و جناس ناقص ، أما الجناس التام هو ما اتفق فيه اللفظان ، و أما الجناس الناقص هو ما اختلف فيه اللفظان.
* السجع : هو توافق الفاصلتين في الحرف الأخير و لا يحسن السجع إلاّ إذا كان رصين التركيب، سليما من التكلف، خاليا من التكرار في غير فائدة.
ـ الموسيقى ـ
و هي نوعان داخلية تخص الشعر و النثر، و خارجية خاصة بالشعر فقط.
* الموسيقى الداخلية : هي ذلك النغم الخفي الذي تحسه النفس عند قراءتها الآثار الأدبية الممتازة شعراً و نثراً فنغم يبعث على الحماس و آخر يبعث على الحزن و الكآبة، و ثالث يثير فينا الحنان، و لو تساءلت عن مصدر هذا النغم لوجدته يكمن في حسن اختيار الأديب لكلماته بحيث أنها عند تجاورها جاءت منسجمة تنساب انسيابا فهي متآلفة الحروف لا تنافر فيها و يسهل النطق بها و لا يعتمد الأديب ذلك إلا قليلاً عند مراجعته لما كتبه، و إنما يهديه ذوقه الفني و قدرته الأدبية و كذلك سعة ثقافته و ثراء معجمه اللغوي، لكن هذا لا يمنعنا من محاولة الكشف عن بعض أسرار الفن في هذا الميدان.
لاحظ النقاد كثرة أحرف الهمس و هي : ( السين و الصاد و الزاي ) كما في قصيدة البحتري في إيوان كسرى
صنتُ نفسي عمّا يدنس نفســــي *** و ترفعتُ عن جَدا كلّ جبسِ
و تماسكتُ حين زعزعني الدّهر *** التماساً منه لتعسي و نكسي
حضرت رحلي الهموم فوجهتُ *** إلى أبيض المـــــدائن عنسي
أتسلى عن الحظوظ و آســــــى *** لمحل من آل ساســـانَ دَرْسِ
فحروف الهمس و السين منها خاصة هي الملائمة لمن يتكلم وسط هذا الصمت الذي يوجب الهدوء و الاحترام.
ومن الملاحظ أيضا أن حروف المد و هي : ( الألف و الواو ، الياء ) و خاصة الألف تكثر في أدب الرثاء شعراً و نثراً لأن طول الصوت يناسب الحزن مثل قصيدة مفدي زكرياء في أحمد زبانه
قام يختال كالمسيح و وئيــــــــدا *** يتهادى نشوانَ يتلو النشيــــدا
باسم الثغرِ، كالملائك أو كالطفل *** يستقبل الصَّبـــــاح الجديــــدا
شامخاً أنفُه جـــلالاً و تيــــــــهاً *** رافعاً رأسه يُناجي الخــــلودا
و تَعَالى مثل المؤذن يتــــــــــلو *** كلمات الهدى و يدعو الرقودا
توازن العبارات في النثر يقابله حسن التقسيم في الشعر.
التكرار الذي لا يقصد به غير الموسيقى و جمال الترنم.
كثرت النعوت والإضافات و المتعاطفات يعتبرها النقاد ضعفاً فنياً لكن لها فائدتين فهي تساعد الأديب على التوسع في المعنى كما أنها تساهم بقوة في إحداث نغم الموسيقى الداخلية للنص.
* الموسيقى الخارجية: و هي المتولدة من الأوزان و القوافي و التي تدرس في ظل معرفتنا لعلم العروض و هو خاص بالشعر و تشمل الدراسة العروضية :
تسمية بحر القصيدة و تسجيل تفعيلاته.
الإشارة إلى تنوع القوافي ( إن وجد ) كما في الرباعيات و غيرها.
بيان عيوب القوافي.
قد يميل الشاعر إلى بحر الطويل أو البسيط إذا كان غرض القصيدة جاد يحتاج إلى اتساع تعبيري.
و قد يميل إلى المتقارب أو الخفيف في الشعر الثوري.
و الكامل و الوافر يناسبان شعر الغزل.
و صار الكامل خاصة يلائم معظم الأغراض.
ـ الأسلوب العلمي ـ
من أهم خصائص هذا الأسلوب أنه :
* دقيق و محدد
* يخاطب عقل الإنسان دون عاطفته
* يعتمد على الترتيب المنطقي
* يخلو من الصور البيانية
* يستخدم الطباق للضرورة العلمية فقط
* لا يعنى مطلقاً بإيحاء الألفاظ
* خالِ من أية موسيقى داخلية
و قد يكون النص شعراً تعليمياً فهو من هذا النوع كما في ألفية بن مالك فأسلوبها علمي مع أنها شعر.
ـ الأسلوب العلمي المتأدب ـ
مميزات هذا الأسلوب أنه :
*يخاطب العقل بالدرجة الأولى لكنه يمس العاطفة قليلاً
* يتوفر على صور بيانية تقرب المعنى لكنها لا تخلو من الجمال أو الطرفة
* عباراته رشيقة و ليست جافة
* تَرِدُ فيه بعض المفردات الموحية
* يطوع الكاتب فيه المصطلح العلمي و النظريات فيقدمها بطريقة مشوقة، و يستخدم المحسنات البديعية للغرض العلمي و الجمالي
ـ نزعة السخرية ـ
قد يعبر عنها بلفظ التهكم و الاستهزاء و هي غرض قديم في جميع الآداب العالمية، تدفع إليه الرغبة في النيل من الخصم، لا عن طريق تعداد نقائصه فقط و إنما أيضاً عن طريق جعله أضحوكة، أو إظهار فكرة أو سلوك ما بمظهر التفاهة لمجرّد التقليل من شأنها في نظر الآخرين و قد تكون السخرية دُعابة تهدف إلى مجرّد الظرافة، ثم ارتقى فنّ التهكم و السخرية هذا ليمتزج بأعظم الميادين الجادة في الحياة كالسياسة و الاقتصاد و الفلسفة و ما إليها
مثلاً يروى عن البديع الهمذاني أنه رأى رجلا مفرط الطول معروفا ببرودة طبعه إلى حد الثقل فقال : "أقبل ليل الشتاء "
ـ الأحكام و القيم ـ
* / الأحكام: تتناول الأحكام دراسة مسألتين هما : مميزات صاحب النص بجانبيها الإنساني و الفني ، و ظواهر البيئة
ـ مميزات صاحب النص : قد يظهر من خلال نصه مصلحا اجتماعيا أو داعيا إلى تقويم الأخلاق أو ثائراً شجاعاً قوي الشخصية، أو موضوعياً هادئاً متزناً، أو ذا نزعة فردية غارقا في همومه أو أي ملامح أخرى يفرزها النص.
ـ ظواهر البيئة :كثيرا ما يتضمن النص الأدبي بعض ظواهر البيئة فمثلاً الشعر الجاهلي يصور حياة العرب قبل الإسلام و هي بيئة يسودها الصراع القبلي و يطغى عليها منطق القوة و التنافس على موارد العيش و الماء القليلة و قسوة الحياة في الصحاري ، بينما نجد أدب الأندلس يحفل بذكر الأنهار و الينابيع و أنواع الشجر و الورود و حياة الترف .
* / القيم :
و هي المثل و المبادئ العليا التي يحتويها النص و قد تكون ذات طابع إنساني رفيع كالدعوة إلى الحرية، أو الدعوة إلى الاعتزاز بالوطن أو قيماً تدعو إلى العدل و الحق و الخير و القيم الأخلاقية هي الداعية إلى التحلي بالفضائل من صدق و كرم وشهامة، و القيم الدينية تدعو إلى الخوف من الله و الشعور الدائم برقابته.
و قد تكون قيم النص ذات طابع فني و جمالي يتغنى بالطبيعة و مظاهرها من جبال و أنهار إلى غير ذلك
هذا تلخيص من كتاب الجديد في الأدب ( النص و المقال تحليلاً و تحريراً ) من تأليف : عبد الرازق عبد المطلب
أتمنى أن تستفيدوا من الموضوع