عبد المؤمن يعقوبي الجزء الأول
إنّ طرائق التعليم الحالية، في مجمل البلاد النامية وفي بلدنا خاصة،أصبحت عاجزة كل العجز عن مسايرة متغيرات العصر، والإيفاء بحاجيات المتعلمين.والضرورة المحلة اليوم، تقتضي البحث عن استراتيجيات تربوية جديدة (بديلة)، وتقنيات عملية حديثة، تأخذ بعيْن الاعتبار مقتضيات العصر، ومتطلبات التطور التكنولوجي،ونبذ الطرائق التقليدية التي تعتمد على التلقين والإلقاء والحشو، ولا تسمح للمتعلم بالتعبير عن نفسه، وتحقيق ذاته، واثبات استقلاليته، وفرض وجوده، كما ينبغي هجرالأنشطة والأساليب الدوغماتية غير السلوكية التي تعوِّل على التنظير أكثر من التطبيق.
إنّ تعليمنا الحالي- بنماذجه الاستعراضية- يحصر الاهتمام في المادة التعليمية، بحيث تصل إلى ذهن التلميذ- من أيِّ طريق- بصرف النظر عمّا لهذا التلميذ من ميول ورغبات،وحاجات وخصائص وقدرات وخبرات قبلية...، وصار موقف هذا التلميذ في عملية التعليم -نتيجة لذلك - موقفًا سلبيًا، نظرًا لكوْن المعلم يملك ما أسماه "جونديوي" "الثمار الناضجة"، يقدمها لتلميذه في طبق فيَزْدَرِدها هذاالأخير على مَضَض في غالب الأحيان دون فهم أو تطبيق.
بديهيٌّ أنّ العملية التعليمية تتطلب مدرِّسًا يقدِّم الدرس، وتلميذاً يتقبله، ومادة يعالجها المدرّس مع تلاميذه، لكن، ما لا ينبغي التقليل من قيمته هو الطريقة أوالكيفية التي تعالَج بها هذه المادة. فالطريقة ركنٌ له من الأهمية بمكان في العملية التعليمية / التعلمية. الطريقة هي التي تُخرِج المادة من حيِّز التنظيرإلى حيّز التنفيذ. والطريقة مهارة فنية يتميز بها معلم عن آخر نتيجة حِنكته وتجربته وإطلاعه على نظريات علم النفس وأثرها على العقول . لكن الطريقة مهما بلغت أوْجَها،لا يمكن وصفُها بــ"النموذج" أو "القالب" الذي ينبغي أن يحذوحذوَه جميعُ المربّين، إذْ كثيرًا ما نسمع في الندوات التربوية "تقديم درسنموذجي". فما المقصود بالنمذجة؟ أهو نظام مطرد يجب إتباعه وتطبيقه في جميع النشاطات،وفي جميع المواد، وفي جميع المستويات ؟ إنّ ما هو صالح اليوم، سيصبح غير ذلك غدًا،لأنّ التربية ديناميكية متطوِّرة.
إنّ الطريقة المثلى هي الطريقة التي تتميز بالمرونة، يستطيع المعلم- متى اقتضت الضرورة- إدخال بعض التعديلات عليها حتى يكيفها مع نمط الدرس ونوع النشاط تحقيقاً لأهدافه. والمعلم ، ينبغي ألا يتقيّد حرفيًا بطريقة معينة، لا يحيد عن مراحلها، حتى يكون- بحقٍّ- سيدًا للطريقة لا عبدًا لها. ولن يتسنّى ذلك، ما دام المعلم مكبَّلا ليديْن... فلنفُكَّ قيوده لنترك له حرّية المبادرة وحقّ التصرف، لكن، في الاتجاه الإيجابي الذي يعود على تلاميذه بالنفع والخير العميميْن، الاتجاه الذي يقوده إلى تحقيق الأهداف كاملة غير منقوصة، بأيْسر السّبل وأقلّ جهد من قِبل المعلم والمتعلم، وليس التعديل حبّاً في التعديل ومن أجله، وإلا أصبح التعليم فوضى يدفع ثمنَها رجالُ الغد ، جيل المستقبل.
المتغيرات التعليمية:
إنّ التدريس نسَق (نظام) يتكوّن من مدخلات (i*nput) وسيرورات (Processus) ومخرجات (OutPut) لكل منها طبيعة ووظيفة محدَّدتان تؤثر بالإيجاب أو بالسلب على العملية كلها. ومهمة التدريس لا تتوقف عند حدّ إعطاء المعارف للتلاميذ خلال فترة زمنية معينة فحسب، بل تتعدّاها إلى بحث تأثير متغيرات تعليمية (Variantes) على أخرى للتأكد من نوعية العلاقة التي تربط فيما بينها من جهة،وليتمكَّن المعلم، نتيجة هذا البحث، من اختيار مواده وطرائقه ووسائله على أسسسليمة من جهة ثانية. فما هي هذه المتغيرات؟ نذكر بعضها فقط، فيما يلي:
1. المتغيرات القبلية للتدريس، وتتلخص في خصائص المعلم، مثل:الجنس-العمر- الخلفية الاجتماعية والمهنية- نوعية التكوين...
2. متغيرات البيئة التعليمية: وتتمثل في مستوى التلاميذ المدرسي:عمرهم التعليمي، معارفهم السابقة، نوع الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها، عدد التلاميذ في الفصل، خصائص الغرفة الدراسية..
وهذان المتغيران يشكلان مدخلات عملية التعليم.
3. المتغيرات التنفيذية: وأهم هذا المتغير، طرائق ووسائلالتعليم وأساليب تفاعل المعلم والتلاميذ بعضهم مع بعض.
وهذه المتغيرات تشكل سيرورة العملية التعليمية.
4. متغيرات الإنتاج والتحصيل: والمتمثلة في نوعومقدار التعلم الحاصل من جرَّاء عملية التدريس.
وهذاالمتغير يشكِّل مخرجات العملية.
المؤثرات على العملية التعليمية:
أكيدٌ أنّ طبيعة المادة، وطبيعة الموضوع، وطبيعة الهدف، وطبيعة التلاميذ، وطبيعة المعلم... كلها عوامل مؤثرة تُملي طريقة معينة على سيرورة الدرس. وهنا تتجلى كفاية المعلم وحنكته ومهارته، وخبرته في انتقاء الطريقة الملائمة. إذْ يجد نفسه -أحياناً - مضطرًّا للمزج بين مجموعة من الطرائق في حصة واحدة: فمن الإلقاء إلىالحوار إلى المناقشة المفتوحة... الجمْع والتنوُّع محبَّذان، لأنّ انتهاج طريقة واحدة والالتزام بها من بداية الدرس إلى نهايته قد يؤدي بالتلاميذ إلى المللوالقلق واللامبالاة...
وعلاوة على الأهمية القصوى التي تكتسيها الطرائق التربوية وأساليبها المتنوعة في التدريس بالمقاربة بالكفايات، سنحاول التركيز على تحليل ثلاثة مفاهيم يؤسَّس عليها هذا النموذج الإجرائي،وهي: "العلاقة/ التواصل/ التفاعل" للوصول إلى إدراك العلاقة التربوية المتميزة التي تجمع المعلم بالمتعلم، وما ينبغي أن يتمّ بينهما من تفاعلات، هذه التفاعلات التي تكون سببًا في إقامة شبكة أو مجموعة من العلاقات الوجدانية.
أنواع العلاقات من منظور علم النفس وعلم الاجتماع الصّوري:
إنّ مفهوم "العلاقة" استقطب اهتمام العديد من علماء النفس والاجتماع منذ القدم. ولقد خصه علم الاجتماع الصوري بحيِّزوافر من البحث والدراسة، إذْ يرى أنّ المجتمع (وتلاميذ القسم يعتبَرون مجتمعًا مصغرًا) هو عبارة عن "جماعات" و"علاقات" و"أنماط سلوكية".
يحدد الباحث الألماني "جورج سيمل- GeorgesSimmel " العلاقة فيالأنماط التالية:
- علاقة السيطرة. Relation deSupériorité
- علاقة الخضوع. Relationde Subordination
- علاقة التبعية. Relation deDépendance - علاقة التنافس. Relationde Compétition - علاقة التضامن. Relation deSolidarité
أمّا مواطنه "فيير كاندت -VIERKANDT- في نقلنا من المجال الظاهري إلى العالم الباطني الخفيّ الذي يتجلّى في "الحبّ والحقد والحسد والكراهية"، إذْ ربط نظرياته هذه في العلاقات الاجتماعية بالمضمون السيكولوجي، لكونها تمثل الأصل في اشتقاق كل أنواع العلاقات الاجتماعية، فانكبَّ على دراسة "الخضوع والزعامة والصراع والقوة..." وهي أشكال سوسيولوجية تفرَغ فيها المادة المتمثلة في "الأفراد"، وبالتالي التلاميذ في المدرسة.
وهذه العلاقات تقودنا إلى استخلاص نوعيْن أساسين منها، هما: علاقات الانجذاب، وعلاقات الانسحاب.
فالعلاقات الانجذابية:هي علاقات يقيمها الفرد لكي يتجه بها "نحو" الآخرين، ويعبَّر عنها فيعلم الاجتماع بعلاقة "نحو"، ويقسمها الباحث "فون فييز -VON-WIESE- " إلى:
- علاقة الاحتكاك. Relation deContact - علاقة الاتحاد. Relationd’Union - علاقة التكيف. Relationd’Adaptation - علاقة الاندماج والموافقة. Relationd’Approbation - علاقة الاقتران. Relation deCombinaison أما علاقات الانسحاب، فهي تلك العلاقات التي تؤدي إلى ابتعاد الفرد "عن" الآخرين، أي علاقة تنافر، ويعبَّر عنها بعلاقة"عن " ومن أسبابها:
- علاقة التنافس - Relation de Compétition et Concurrence
- علاقة التعارض - Relation d’Opposition
- علاقةالصراع - Relation de Conflit
العلاقة معلم/تلميذ:
انطلاقًا من هذه النبذة الوجيزة عن ماهية "العلاقة" وأنماطها السيكوسوسيولوجية،فماذا يقصَد بالعلاقة من الناحية الديداكتيكية؟ يجيبنا الباحث "فيلو-Jean ClaudeFilloux-"في تعريفه: "العلاقة هي عبارة عن تعامل تفاعلي إنساني يتمّ بين أفراد (معلم- تلاميذ)يوجدون في وضعية جماعة". والقسم الدراسي هو المجال الذي يجمع- غالبًا- بينالمعلم والتلاميذ، بداخله يتمّ تحقيق الفعل التعليمي/التعلمي، وهذا الفعل يُبنَى- أساسًا-على علاقات تواصلية مركبة، تفاعلية، دينامية بين المعلم والمتعلمين تسعى إلى تمريرخطابات اتصالية، وإِحْداث تبادلات وجدانية، وترسيخ مهارات، قد تؤدي بالمتعلم إلى الانجذاب،فيندمج ويتكيف ويتجاوب، فيستكشف ويقاوم لكي يثبِت وجوده... أو تؤدي به إلى الانسحاب والنفور، فيستسلم ويتراجع دون مقاومة.
إنّ هذا التفاعل، وهذه العلاقات"البيداغوجية"تختلف باختلاف نمطية النماذج التعليمية. وبتناولنا للعناصر الأساسية الثلاثة لكل نموذج تعليمي، ألا وهي: المعلم- المتعلم- المادة، فما هي العلاقة التي يمكن إفرازها؟
العلاقة معلم/متعلم من خلال النماذج الثلاثة الآتية:
1. النموذج المتمركز حـول المعلم:
- المعلم هو محور الفعل التعليمي.
- المعلم يمتلك المعرفة والكفاية والتجربة.
- المعلم هو الفاعل الأساس:هو الآمر وهو الناهي.
- العلاقة التي تجمعه بمتعلميه هي علاقة ترويض. (Dressage).
- العلاقة سلطوية تفرض النظام والانضباط والامتثال للأوامر (الخضوع).
- المعلم يتدخّل لأقل سبب أو حركة تصدُر عن التلميذ (الترهيب والتخويف).
- المتعلم مجرد مُتلقٍّ سلبي ( مستهلك لا منتج ).
- المتعلم يلتزم الصمت -يَنتَبِه - يصغي ويخزن المعلومات.
ويصفها الباحث "دوكلو J.DUCLOS- " بالعلاقة الأوتوقراطية.
ومن نتائج هذه العلاقة المؤسسة على التوجيه الكامل (Directivisme intégral) كما يسميها الباحث "حانون H.Hanoun"، القلقوالنفور، وقد تصل إلى حدّ العدوانية لدى المتعلم.
2.النموذج المتمركز حـول المتعلم:
- المتعلم هو محور الفعلالتعليمي/التعلمي.
- المتعلم هو الفاعل الأساس:يبحث - ينقِّب - يكتشف...
- احترام شخصية المتعلم وقدراته العقلية،وميولاته ومواهبه...
العلاقة مبنية على الاحترام المتبادل: تثبيت استقلاليته وتشجيع الإبداعية لديه. يصفهاالباحث "دوكلو" بالعلاقة الديمقراطية.
لكن،يُخشى أنْ يُسَاء استخدامُ هذه "الحرية"، فيطلق المعلم زمام الأموركليةً في يد التلميذ، بحيث يسمح له باتخاذ جميع المبادرات دون تدخل المعلم أوتوجيهه أو إرشاده. وهذه الوضعية اللاتوجيهية تجعله - في حالة فشله أو عدم إدراكه الهدف - يتخبّط في متاهات، قد تولَّد لديْه نوعٌ من القلق والصِّراع واللاتوازن .
3.النموذج المتمركز حـول المادة:
يولي هذا النموذج الأهمية القصوى للمادة التعليمية، بغضِّ النظر عن مواصفات المعلم وخصائص المتعلم، بحيث تكون المادة هي الغاية. ويصف الباحث "دوكلو" هذه العلاقة بالتقنوقراطية. أما"لويس دينو L.D’HAINAUT " فيركز على القطبيْن الأساسييْن في الفعل التعليمي/ التعلمي:المعلم والمتعلم ، بحيْث صنَّف العلاقة التي تجمعهما انطلاقًا من الدَّور الذي يقوم به كليْهما في سيرورة الفعل التعليمي/ التعلمي ، فحدّد العلاقة في أربعة أنماط: 1. العلاقة المتمركزة حول ذاتية المعلم، وهو النمط من العلاقات الذي حدَّدناه آنفًا. 2. العلاقة المتمركزة حول المتعلم، بحيث يكون الدورالفعال والإيجابي في بناء الفعل التعليمي/ التعلمي من نصيب التلميذ. ويكتفي المعلم بدور التوجيه والتنشيط وإعادة تنظيم المعرفة المتوصل إليها. 3. العلاقة التي يكتفي فيها المعلم بدور المحفّز، يستجيب لطلبات التلاميذ من بعيد دون التوجيه المباشر والمشاركة الفعلية في بناء المعرفة. 4. العلاقة التي يشارك فيها المعلم متعلميه لابصفته معلِّمًا ممتلكًا للمعرفة، لكن بصفته مشاركًا متعلمًا يبحث معهم عن هذه المعرفة.ومن خلال هذه الأنماط والأشكال العلائقية، يمكن القول: إنّ الطريقة تؤسَّس انطلاقًا منتحديد العلاقات التفاعلية بين المعلم والتلاميذ، هذه العلاقات تخضع- في تحديد نمط التعليم وطريقة التدريس - لمتغيِّرات ثلاثة : المعلم - المتعلم - الأهداف . وانطلاقًا من تصنيف " فيال Jean-Vial- 1986- " لهذه المتغيرات، يمكن الوصول إلى رسم هذا الجدول التوضيحي:
دور المعلم دور المتعلم نوعية الأهداف نوع التعليم بناء على نوعية العلاقة الطريقة المناسبة
1. المعلم سلطة مهيمنة غيا ب كلّي لدور المتعلم الفاعل أهداف محددة مسبقاً تعليم دوغماتي طريقة القائية
2.المعلم موجه توجيه المتعلم إلى معلومات حدّدها المعلم أهداف يعاد اكتشافها من طرف المتعلم تعليم حواري سقراطي طريقة حوارية موجهة
3.المعلم غير مالك للسلطة أفعال شخصية وحرة للمتعلم أهداف يقترحها المتعلم تعليم نشط فعّال طريقة المهام والبحث
4. المعلم منشط المتعلم متحرر بشكل مطلق أهداف من اكتشاف التلاميذ وابتكارهم
تعليم لا توجيهي
طريقة الاكتشاف
ملحوظة : يُقرَأ هذا الجدول من اليمين إلى الشمال على النحو التالي: 1. إذا كان المعلم سلطة مسيِّرة للفعل التعليمي، فإنَّ ذلك يؤدي إلى غياب كلي لدورالمتعلم ونشاطه، بحيث تكون الأهداف محددة من قبل، والتعليم فيها دوغماتيًا، فماعلى المعلم إلا إلقاء وتلقين المعرفة. 2.إذا كان المعلم موجهًا، فإنه يحرص على توجيه المتعلم نحو معارف وحقائق سبق تحديدها وإعدادها من قِبل المعلم، وبفضل هذا التوجيه يقود المتعلم إلى إعادة اكتشاف الأهداف المسطّرة. ويتم ذلك عن طريق الحوار السّقراطي... وانطلاقًا من هذه التصنيفات العلائقية، نخرج بأنظمة تعليمية ثلاثة، وهي: - النظام التسلطي:ويمكنوصفه بـ "الديكتاتوري" لأنه يعتقد أنّ النظام والحرية طرفَا نَقِيضٍ لايمكنهما أنْ ينسجِما ولا أن يتعايشا. وبهذا، تتمركز السلطة كاملة في يد المعلم، فهو صاحب السيادة المطلقة، وهو الآمر الناهي في قسمه. وللحفاظ على هذه السلطة المستبدة،يلجأ إلى تطبيق كل أنواع القمع والترهيب والتهديد؛ لا يسمح لتلاميذه بإبداء الرأي أو مناقشته، ولن يبقى أمامهم إلاّ الخضوع والخنوع والإذعان. لكن، حذار من ردّات الفعل التي قد تتمثل في تنمية روح التمرُّد والعصيان والاعتداء من جهة، وزرع روح الجبْن والأنانية والتنافس السلبي، وعدم الثقة بالنفس... من جهة أخرى.
- نظام الحرية المطلقة :إنه نظامٌ عكس السابق، ويمكن القول أنه جاء ثورة عليه. منَح الحرية الكاملة للتلاميذ فأفْرَط فيها، وترك الحبل على الغارب للتلاميذ يفعلون ما يحلو لهم دون إرشاد أوتوجيه، فحلّت الفوضى محل النظام الصارم. وبهذا، فإنه لا يقل خطورة عن النظام الذي جاء ليصلحه.- النظام الديمقراطي :وهونظام وسَط، لا إفراط ولا تفريط، أُقيم على مبدأَيِ المساواة وتكافؤ الفرص بين التلاميذ، إذْ يعترف بقيمة التلميذ كونه إنسانًا له مكانته تفرض احترامه، وله إمكانياته تؤهله للتفكير والتمييز والإبداع...
إنّ العلاقة بين الفرد (التلميذ) والمجتمع (مجموع التلاميذ، المعلم، الإدارة...) التي تسود هذا النظام هي علاقة وظيفية قائمة على احترام وتقدير الجماعة للفرد، وعلى إتاحة الفرص المواتية لتنمية مواهبه وقدراته، كما هي قائمة على تقدير الفرد لمصلحة الجماعة ومراعاته لحقوقها ومبادئها والعمل على تنميتها ، وهو نظام يعطي الأهمية لفردانية التلميذ من جهة
واندماجه في العمل الجماعي من جهة ثانية.
وهونظام يعتمد على التفكير العلمي في حل المشكلات، ونبذ التطرّف والتعصّب، والتمسك بالتعاون البنّاء بين أفراد الجماعة، وتشجيع المبادرات، والحرص على تبادل الآراء ووجهات النظر، وتحميل أفراده المسؤولية مع ضرورة الابتعاد عن كل أنانية أو تنافس سلبي...
وهذه المبادئ كلها، من شأنها تربية التلاميذ على روح النقد الذاتي والتفكير العلمي فيحل المشكلات بعيدًا عن كل تحيّز أو تسرّع في إصدار الأحكام.
ويؤكّد"ليفين - Lewin " على أهمية العلاقات الديمقراطية التي ينبغي أن تسود داخل القسم، والتي تؤدي ـ من خلال العمل الجماعي ـ إلى إكساب المتعلم مواقف إيجابية (من المادة، والمعلم، والتلاميذ...) على عكس العلاقة السلطوية التي ينجرّ عنها انطفاء الحماس وقلة الاهتمام، أَضِف إلى ذلك مظاهر العدوانية والعنف والكراهية الناتجة عن تعسّف المعلم والإدارة.